حسن الاختيار للزوج والزوجة
الأخت المسلمة الواعية لا تقبل الزواج من رجل إلا بعد أن تكون قد درست أخلاقه وصفاته ودرست كذلك أسرته الكبيرة، وعرفت عنه ما يلزم لها، كي تشعر بأمان واطمئنان، وتقبل إلى الحياة الهانئة معه في ظل قناعة ورضا وقبول وحب يجب أن تتروى الأخت المسلمة حتى تستمع إلى نصائح والدتها ووالدها وأقاربها وأصدقائها، وصديقاتها المؤتمنات على الأسرار، يجب أن تستشير العقلاء ولا تنزلق الى العواطف المجردة أو الرؤية العقلية، ولكن مزيج بينهما وتكامل، حتى تنجح في اختيار الزوج الذي يناسبها، وتعيش معه في ظل سعادة وهناء وراحة بال.
والزوج كذلك عليه أن يسأل عن الأخت المسلمة التي ينوي الارتباط بها، عليه أن يسأل عن دينها وخلقها وأدبها، عليه أن يتروى في اختيار شريكة حياته وأم أولاده والمؤتمنة على سره ولا يتسرع، فالحياة تحتاج إلى تكامل وانسجام الزوج وزوجته، وسرعان ما تخبو العواطف المشبوبة والمشاعر المتأججة، والأحاسيس الملتهبة، ما لم تقم على أساس من الصدق والحب والتفاهم والإخلاص ووحدة الهدف... والبيت السعيد هو البيت الذي تعتقد ربته أنها بالنسبة لزوجها أم وأخت وصديقة وحبيبة، فيعيش لها الزوج بمثابة الأب والأخ والصديق والحبيب.. تصوروا معي أسرة تنشأ في ظل هذه المعاني، ماذا يكون أبناؤها؟ إنهم المتفوقون دائماً في كل حياتهم، النافعون للوطن، وللأمة الإسلامية، إنهم الأمل الذي نبحث عنه يا ابنتي.
الأساس الأول - الدين:
إن أول أساس وضعه لك الإسلام، لاختيار شريكة العمر، أن تكون صاحبة دين، ذلك أن الدين يعصم المرأة من الوقوع في المخالفات، ويبعدها عن المحرمات، فالمرأة المتدينة بعيدة عن كل ما يغضب الرب، ويدنس ساحة الزوج. أما المرأة الفاسدة المنحرفة البعيدة عن هدى دينها، وتعاليم إسلامها، فلا شك أنها تقع في حبائل الشيطان بأيسر الطرق، ولا يؤمن عليها أن تحفظ الفرج، أو تصون العرض، بل إن الخطر يشتد إذا كان مع الفساد جمال، ومع الجمال مال.
من أجل ذلك بالغ الإسلام في حَثَّك على اختيار ذات الدين، وحضك على البحث عنها في كل بيت مسلم أمين.
فها هو ذا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، يبين لك أصناف الناس في اختيار المرأة، ثم يدلك على الصواب فيقول: [تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك] ( رواه البخاري )، فإذا صرفت نظرتك عن الدين، ورحت تنشد الجمال وحده أو الحسب والنسب، والجاه والمال، فاعلم أنك مغبون، وهمتك قاصرة.
وينصح صلى الله عليه وسلم آمراً ناهياً في قوله: [لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء، ذات دين أفضل] (رواه ا بن ماجه ). فلم يضع الإسلام مقياساً "لملكة جمال العالم" لأنه لا يوجد بعد من تتمتع بإجماع آراء الرجال وإنما اكتفى بأن يكون جمال منظرها نسبياً بالنسبة لك، وخلاصة القول أنه إذا لم يكن إلا الجمال، من غير دين... فلا.
وإذا لم يكن إلا المال، من غير دين... فلا.
وإذا لم يكن إلا الحسب، من غير دين... فلا.
ذلك أن:
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديلٍ على قبر المجوسي
أما إذا كان مع الدين، جمال، ومال وحسب فبالأولى، ولكن مع ذلك يستهدف الدين أولاً.
وقد كان أسلافنا الصالحون حِرَاصاً على ابتغاء ذات الدين، مهما تكن عاطلاً من حلية الحسب والنسب، والمال والجمال. وآية ذلك، صنيع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيثاره ابنة بائعة اللبن زوجاً لابنه عاصم، وقد كان - رضي الله عنه - يتمنى أن تكون زوجة له لو كانت به حاجة إلى زواج، على ما روى الثقات من المؤرخين وفي طليعتهم الإمام ابن الجوزي في تأريخه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث يقول:
(روى ابن زيد عن جد "أسلم" قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب - وهو يعّس بالمدينة - إذا هو قد أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه (أي اخلطيه) بالماء، فقالت لها ابنتها: يا أُمتاه، أما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم، ألا يُشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت البنت لأمها: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سراً، وكان أمير المؤمنين - في استناده إلى الجدار - يسمع هذا الحوار فالتفت إليّ يقول: يا أسلم، ضع على هذا الباب علامة، ثم مضى أمير المؤمنين في عسه، فلما أصبح، ناداني: يا أسلم امض إلى البيت الذي وضعت عليه العلامة، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ انظر هل لهما من رجل؟ يقول أسلم: فمضيت، فأتيت، الموضع فإذا ابنة لا زوج لها، وهي تقيم مع أمها وليس معهما رجل، فرجعت إلى أمير المؤمنين عمر فأخبرته الخبر، فدعا إليه أولاده، فجمعهم حوله ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ لو كان بأبيكم حركة إلى النساء، ما سبقه أحد منكم إلى الزواج بهذه المرأة التي أُعرف نبأها، والتي أحب لأحدكم أن يتزوجها. فقال عاصم يا أبتاه تعلم أن ليس لي زوجة فأنا أحق بزواجها، فبعث أمير المؤمنين من يخطب بنت بائعة اللبن لابن أمير المؤمنين عاصم، فزوجه بها، فولدت له بنتاً تزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له خامس الخلفاء الراشدين الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم أجمعين.
كان من يمن هذا التصرف الكريم أن جاءت ثمرة هذا الزواج، خليفة لا تعرف الإنسانية له نظيراً في عدالته، وزهادته، وسعادة رعاياه به، - رضي الله عنه - وتسألني الآن عن صفات ذات الدين من النساء؟
وأجيبك بما قاله صفوة البشر صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ألا أخبركم بخير ما يكنــز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر اليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله] . (رواه ابن ماجه ).
وإذا كان هذا هو وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة المتدينة فإنه ولا شك أنها موجودة في البيئة الصالحة الطيبة، فإن كان رب البيت من الصالحين الأتقياء فلا بد من أن تكون بنياته من العفيفات المتدينات، ولهذا نصح الشاعر المسلم بقوله:
وإن تزوجت فكن حاذقاً واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله من جيرة وذي قربتـــــه
الأساس الثاني: الخلق:
أما الأساس الثاني لاختيار شريكة الحياة فهو أن تكون صاحبة خلق، والحقيقة أن هذا العنصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الأول الذي هو الدين، ذلك أن المتدينة لا بد من أن تكون صاحبة خلق، لأن دينها سيمنعها من فحش القول، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق وثرثرة الكلام، وعلى كل فحسن الخلق أساس قويم، ومنهج حكيم في البحث عن المرأة، وصدق لقمان الحكيم عندما قال لولده يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، يا بني استعذ بالله من شرار النساء، واسأله خيارهن، فاجهد نفسك في الحصول على الصالحة الطيبة تلق السعادة أبد الحياة.
الأساس الثالث - أن تكون بكراً:
ثم إن الإسلام طالبك ورغبك بأن تكون امرأتك التي تريد الزواج بها بكراً، وما رغب في ذلك إلا لأن طبعك الإنساني يألف الجديد، وينفر من امرأة مسها واحد قبلك، ولهذا قال نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم لصاحبه الجليل جابر بن عبدالله عندما علم أنه تزوج ثيباً: [هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها] ، فعلل الصاحب الجليل زواجه بالثيب بأن أباه قد مات وترك له أخوات صغيرات يحتجن إلى الرعاية والعناية، وأن الثيب في هذه الحالة أقدر على رعاية البيت، ولولا هذا الذي قدره الله وقضاه لكانت بكراً، وفي المرأة البكر فوائد جليلة، ومحاسن وفيرة، حيث إنها تجعل كل حبها لهذا الذي اختارها من بين آلاف النساء، وما الحب إلا للحبيب الأول، ثم إنها لم تجرب الرجال من قبل فلا شك في أنها ستمنح من يتزوج بها جميع ما تملك من مودة وحنان، ولذلك قال حبيب الطائي:
نقل فؤادك حيث شئت الهوى ما الحبُّ إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منــزل
الأساس الرابع : أن تكون ولوداً:
ومن الأسس التي وضعها لك الإسلام، أن تختار المرأة الولود.
والولود تعرف بشيئين:
الأول: خلو جسدها من الأمراض التي تمنع الحمل، ويرجع في هذا إلى المتخصصين من الأطباء الذين هم أهل الذكر في هذا الشأن، وهو ما رأته بعض الدول من ضرورة العرض على الأطباء قبل الزواج.
الثاني: أن ننظر في حال أمها وعشيرتها، وأخواتها المتزوجات، فإن كنَّ من الصنف الولود فهي ولود في الغالب - إذا أراد الله - ذلك أن للوراثة من الأدوار ما لا يخفى، ومن أجل ذلك أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالبحث عن المرأة الولود.
فعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: [تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة]. رواه أبو داود والنسائي .
وعن معقل بن يسار، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: [ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ] (رواه النسائي وأبو داود ).
الأساس الخامس : التقارب في السن والثقافة.
ومن الأسس التي فصل الإسلام فيها القول عند اختيار شريكة الحياة هو أن يكون هناك تقارب في السن والثقافة، والنسب، وهذا هو ما يطلق عليه في فقهنا الإسلامي باسم (التكافؤ بين الزوجين)، وذلك لحفظ مستوى الحياة الزوجية، والإنسجام بين الزوج وزوجه، وقد اختلف العلماء في هذا العنصر، فمنهم من قال بضرورة هذا الأساس استناداً إلى بعض النصوص التي جاءت على لسان نبي الأمة صلى الله عليه وسلم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: [زوجوا الأكفاء، وتزوجوا الأكفاء، واختاروا لنطفكم] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: [تَخَيَّروا لُنطفكم وانكحوا الأكفاء وأَنكحوا إليهم] . (رواه ابن ماجه).
ولكن بعضاً من العلماء لم يأخذ بهذا بحجة أنه غير صالح للحجة. وذهبوا إلى أن المسلمين بعضهم لبعض أكفاء مطلقاً، وهناك أحاديث وردت في الكتب الصحيحة المعتبرة، تدعم ما ذهب إليه هؤلاء العلماء، من ذلك ما روى البخاري عن سهل قال: مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ما تقولون في هذا] ؟ قالوا: حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع ثم سكن فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: [ما تقولون في هذا] ؟ قالوا: حري إن خطب ألا ينكح وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يُسمع، قال صلى الله عليه وسلم: [هذا خير من ملء الأرض مثل هذا] .
وظاهر هذا النص أن الفقير كان أحسن ديناً وخلقاً من الأول.
المصدر: من كتاب (الزواج والعلاقات الجنسية في الإسلام) "بتصرف وتعديل"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته