وبني عبد الدار وبني جمح وبني زهرة ومذحج ودوس " وغيرها ، وفيه دلالةٌ واضحةٌ على معالم هذه الدعوة الجديدة ، وبعدها عن الدعوات العصبيّة الجاهليّة ، ولو كانت كذلك لكان بنو هاشم قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - أوفر الناس حظّاً ، وأكثرهم أتباعاً لهذه الدعوة الجديدة .
ومما يُشار إليه هنا أيضاً أن أغلب من أسلم في تلك الفترة كان من وجهاء قومه ومن أشرافهم، ولم يكن بينهم من الموالي سوى ثلاثة عشر رجلاً ، مما يدل على أن دعوة الإسلام لم تكن مجرّد ثورة على الأغنياء والوجهاء ، أو هروباً من حياة العبودية والفقر ، وإنما كانت رسالةً قائمة على إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وعقيدة صافيةً تصحّح علاقتهم مع خالقهم ، ومنهجاً ربّانيّاً ينظّم حياتهم .
واستمرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الدعوة السرّية أكثر من ثلاث سنوات ، ظلّ فيها يعلّم حقائق التوحيد ، ويغرس معاني الإيمان ومحاسن الأخلاق ، وتمّ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم لهذه المهمّة .
وفي هذه الفترة شُرعت الصلاة ركعتين في الصباح ، وركعتين في المساء ، وذلك في قوله تعالى : { وسبح بحمد ربك بالعشيّ والإبكار } ( غافر : 55 ) ، وكان الصحابة يستخفون بصلاتهم في الوديان والشعاب لئلا يفتضح أمرهم .
واستمرّ الناس في الانضمام تحت لواء الدين الجديد حتى تكوّنت الجماعة الإسلاميّة الأولى واشتدّ عودها ، وحان الانتقال إلى مرحلة المواجهة والجهر بالدعوة ، بما قد تحمله من أذى وتعذيب وتضحيات ، وكانت البداية عند نزول قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين } ( الشعراء : 214)
المصدر